الجمعة، 26 سبتمبر 2014

الكوكب الحي : "توازن محكم أم صراع من أجل البقاء" ؟




الكوكب الحي : "توازن محكم أم صراع من أجل البقاء" ؟

تأمل الحياة  من حولك ،
ستري عدد هائل من الانواع الحية  يقترب تعداده من تسعة ملايين نوع مختلف ،:نباتات ،حيويانات ثديية ،زواحف ،حشرات ،بدائيات ميكروبية دقيقة .

هذه الانواع تشكل فيما بينها شبكة متوازنة بالغة الإحكام والدقة تسمى سلسلة الغذاء The food chain، يحصل فيها كل نوع علي غذائه الذي يكفيه، وفي نفس الوقت يوفر هو نفسه غذاءا كافيا لأنواع أخري
ستري النبات يستغل مواد الارض ويصنع غذائه بوساطة طاقة الشمس ،
ومن ثم تتغذى الحشرات وأكلات العشب من غزلان وطيور عليه دون أن يفني النبات من الكوكب الحي ،
ستري اكلات اللحوم تتغذي على اكلات العشب ولا تفني  فرائسها أبدأ لأن فنائها يعني موتها هي الاخرى بالمجاعة.
ستري قمة السلسة الغذائية من أكلات اللحوم يقتله ميكروب ليموت ويتغذي عليه ميكروب أخر ليحلله مرة أخري الى مواد اولية هي ذاتها مكونات الارض التي يعاود النبات استهلاكها مرة أخري 

هذه السلسلة المغلقة  ليست بالبساطة التي صورناها بها فى المثال التقريبى السابق ،
لأن الواقع الرصدي لها شديد التداخل والتعقيد فالنوع الواحد يتغذي على مصادر متنوعة من الغذاء الحي ، وفى نفس الوقت يمثل هو ذاته وجبة غذاء لأنواع مختلفة من الكائنات.
والاكثر إثارة للدهشة أن هذا النظام المحكم يمثل طبقات متراكبة من التعقيد ، وتتحكم فيه عوامل كثيرة صعبة الحصر ، ويعجز أى ذكاء معروف عن السيطره عليها لخلق هذا التوازن فى العالم الحي دون أن ينهار.
فلكل نوع من الانواع الحية نظام غذائي خاص به ، ونظام تكاثر مختلف وعدد محدد من النسل والذرية يختلف هو الاخر عن باقى الانواع ،ومتوسط أعمار مختلفة أيضا .
كل هذه العوامل تؤثر على مدى إنتشار النوع ،فعلي سبيل المثال لو زاد معدل نسل نوع معين دون أن يحد مفترس أخر من إنتشاره ،فهذا سيؤدي حتما الي كارثة بيئيه حيث سيجهز هذا النوع على مصدر غذائه ،ويؤدي الى فنائه ، وهقد يتحول الى مصادر اخري للغذاء إن توافرت التي تمثل  بدورها غذائا لأنواع أخري  ، أو يفني تماما بأثر المجاعة  وفي كلا الحالتين فإن الخلل الناتج شديد التراكب وبالغ الضرر تماما كما نضرب قطعة الدومينو فى لعبة السقوط المتسلسل.

بمثال بسيط يمكن أن نصور حجم المشكلة أذا ما تركناه للعشوائية ، فلو أعطينا الفرصة لزوج واحد من الذباب المنزلي ليتكاثر دون أن يموت أحد أفراد ذريته لمدة عام ، يمكنه أن ينتج فعليا كما من الذباب يعادل حجم كوكب الارض كاملا ، ولو نجح بيض أنثي سمك البكلاة الذي يبلع تسعة ملايين بيضة في البقاء واكمال دورة حياته دون أن يحده مفترس لتحول البحر فى سنوات قليلة الى طبقات متراصة من سمك البكلاة تكفي لازحة ماء البحر كله الى اليابسة وأغراق الكوكب ،
حتى البشر انفسهم رغم أن معدل زيادتهم الطبيعية أبطأ من معدلات الزيادة الطبيعية عند بقية الحيوانات بإستثناء الفيلة ،وبنسبة تضاعف لعدد السكان كل 25 عاما بناءا على معدل النسل ، ولو أن معدل الزيادة استمر على هذا النحو خلال القرنين القادمين لارتفع عدد سكان العالم الي خمسمائة الف ميلون نسمة ،غير أننا فى حقيقة الامر نجد أن تعداد الانواع يتسم بالثبات بوجه عام.

قانون السلسلة الغذائية بالغ الأحكام بدرجة يستحيل بها أن يصور كأنه نتاجا عفويا ، فأي خلل فى سلسلة الغذاء قد يعنى فناء السلسلة وانهيارها كليا.


والسؤال الذي يتبادر ال أذهاننا هنا .

هل يمكن للكائنات الحية أن تمتلك وعيا وإدراكا يمكنها من فهم مفردات النظام الذي يمثلون جزءا ضئيلا جدا من أجزائه .وهل يملك مبدأ سباق التسلح والصراع من أجل البقاء إدراكا لاحتواء وصنع هذا النظام ؟ 
الحقيقة التي تبدو كبداهة عقلية ، أن هذا النظام لابد أن نتاجا لتحكم خارجي قدير، خلق فيه كل نوع بقدر 
قدر فى عمره ،قدر في دورة حياته ،وقدر في عدد نسله ، وقدر في مصادر غذائه من الانواع الاخري أو كونه غذائا لأنواع أخري
ما نراه فى الحياة هو مبدأ التوازن المحكم ، وليس مبدأ الصراع من أجل البقاء

ومؤخرا لفت الدكتور الحبيب أحمد إبراهيم (أبوذر الغفاري ) أنظارنا لهذه الاشكالية من خلال ورقة قام بنشرها بإحدي المجلات المتخصصة ، والتي تناول فيها فشل الداروينية فى تجاوز هذا التعقيد ن فصنع هذا التوازن الدقيق يمثل حجر عثرة لا يقبل الزحزحة أمام اليات الداروينية التى تعتمد مبدأ الصراع والتنافس ، وسباق التسلح بين الانواع (1)
لكن الحقيقة المشاهدة للعيان قبل الباحثين هي التوازن والتكافل والتوائم بين كل مفردات الحياة بعيدا عن فلسلفة الانانية التي تبنتها الداروينية ،والتي لا تنتج عمليا الا دمار النظام البيئي دون أي مبالغة.
هذه الاشكالية يعلمها جيدا أنصار التطور المختصيين فى مجال البيئة ويدركون حتمية التدخل الذكي كمبدأ فى بناء النظام الحيوي ، ومتابعته والسيطرة عليه حتي لا يتهاوي منتحراً، وهذا ما نشرته أوراق محكمة تتكلم عن "تراجيديا"  مأساة الانتحار التطوري كمسمي معبر عن فحوي التطبيق العلمي لاليات الداروينية لانتاج التنوع الحيوي والتي ستؤدي حتما الي انتحار المجموع السكاني للنوع.(2)(3).
المصادر :
1-

http://www.iaees.org/publications/journals/nb/articles/2014-4%282%29/3-Ibrahim-Abstract.asp 
http://abozaralghifari.blogspot.com/2014/08/peer-reviewed.html
2-
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/23583808
3-
http://www.cell.com/trends/ecology-evolution/abstract/S0169-5347(07)00274-1?cc=y