الكوكب الحي : "توازن محكم أم صراع من أجل البقاء" ؟ تأمل الحياة من حولك ، ستري عدد هائل من الانواع الحية يقترب تعداده من تسعة ملايين نوع مختلف ،:نباتات ،حيويانات ثديية ،زواحف ،حشرات ،بدائيات ميكروبية دقيقة . هذه الانواع تشكل فيما بينها شبكة متوازنة بالغة الإحكام والدقة تسمى سلسلة الغذاء The food chain، يحصل فيها كل نوع علي غذائه الذي يكفيه، وفي نفس الوقت يوفر هو نفسه غذاءا كافيا لأنواع أخري ستري النبات يستغل مواد الارض ويصنع غذائه بوساطة طاقة الشمس ، ومن ثم تتغذى الحشرات وأكلات العشب من غزلان وطيور عليه دون أن يفني النبات من الكوكب الحي ، ستري اكلات اللحوم تتغذي على اكلات العشب ولا تفني فرائسها أبدأ لأن فنائها يعني موتها هي الاخرى بالمجاعة. ستري قمة السلسة الغذائية من أكلات اللحوم يقتله ميكروب ليموت ويتغذي عليه ميكروب أخر ليحلله مرة أخري الى مواد اولية هي ذاتها مكونات الارض التي يعاود النبات استهلاكها مرة أخري هذه السلسلة المغلقة ليست بالبساطة التي صورناها بها فى المثال التقريبى السابق ، لأن الواقع الرصدي لها شديد التداخل والتعقيد فالنوع الواحد يتغذي على مصادر متنوعة من الغذاء الحي ، وفى نفس الوقت يمثل هو ذاته وجبة غذاء لأنواع مختلفة من الكائنات. والاكثر إثارة للدهشة أن هذا النظام المحكم يمثل طبقات متراكبة من التعقيد ، وتتحكم فيه عوامل كثيرة صعبة الحصر ، ويعجز أى ذكاء معروف عن السيطره عليها لخلق هذا التوازن فى العالم الحي دون أن ينهار. فلكل نوع من الانواع الحية نظام غذائي خاص به ، ونظام تكاثر مختلف وعدد محدد من النسل والذرية يختلف هو الاخر عن باقى الانواع ،ومتوسط أعمار مختلفة أيضا . كل هذه العوامل تؤثر على مدى إنتشار النوع ،فعلي سبيل المثال لو زاد معدل نسل نوع معين دون أن يحد مفترس أخر من إنتشاره ،فهذا سيؤدي حتما الي كارثة بيئيه حيث سيجهز هذا النوع على مصدر غذائه ،ويؤدي الى فنائه ، وهقد يتحول الى مصادر اخري للغذاء إن توافرت التي تمثل بدورها غذائا لأنواع أخري ، أو يفني تماما بأثر المجاعة وفي كلا الحالتين فإن الخلل الناتج شديد التراكب وبالغ الضرر تماما كما نضرب قطعة الدومينو فى لعبة السقوط المتسلسل. بمثال بسيط يمكن أن نصور حجم المشكلة أذا ما تركناه للعشوائية ، فلو أعطينا الفرصة لزوج واحد من الذباب المنزلي ليتكاثر دون أن يموت أحد أفراد ذريته لمدة عام ، يمكنه أن ينتج فعليا كما من الذباب يعادل حجم كوكب الارض كاملا ، ولو نجح بيض أنثي سمك البكلاة الذي يبلع تسعة ملايين بيضة في البقاء واكمال دورة حياته دون أن يحده مفترس لتحول البحر فى سنوات قليلة الى طبقات متراصة من سمك البكلاة تكفي لازحة ماء البحر كله الى اليابسة وأغراق الكوكب ، حتى البشر انفسهم رغم أن معدل زيادتهم الطبيعية أبطأ من معدلات الزيادة الطبيعية عند بقية الحيوانات بإستثناء الفيلة ،وبنسبة تضاعف لعدد السكان كل 25 عاما بناءا على معدل النسل ، ولو أن معدل الزيادة استمر على هذا النحو خلال القرنين القادمين لارتفع عدد سكان العالم الي خمسمائة الف ميلون نسمة ،غير أننا فى حقيقة الامر نجد أن تعداد الانواع يتسم بالثبات بوجه عام. قانون السلسلة الغذائية بالغ الأحكام بدرجة يستحيل بها أن يصور كأنه نتاجا عفويا ، فأي خلل فى سلسلة الغذاء قد يعنى فناء السلسلة وانهيارها كليا. والسؤال الذي يتبادر ال أذهاننا هنا . هل يمكن للكائنات الحية أن تمتلك وعيا وإدراكا يمكنها من فهم مفردات النظام الذي يمثلون جزءا ضئيلا جدا من أجزائه .وهل يملك مبدأ سباق التسلح والصراع من أجل البقاء إدراكا لاحتواء وصنع هذا النظام ؟ الحقيقة التي تبدو كبداهة عقلية ، أن هذا النظام لابد أن نتاجا لتحكم خارجي قدير، خلق فيه كل نوع بقدر قدر فى عمره ،قدر في دورة حياته ،وقدر في عدد نسله ، وقدر في مصادر غذائه من الانواع الاخري أو كونه غذائا لأنواع أخري ما نراه فى الحياة هو مبدأ التوازن المحكم ، وليس مبدأ الصراع من أجل البقاء ومؤخرا لفت الدكتور الحبيب أحمد إبراهيم (أبوذر الغفاري ) أنظارنا لهذه الاشكالية من خلال ورقة قام بنشرها بإحدي المجلات المتخصصة ، والتي تناول فيها فشل الداروينية فى تجاوز هذا التعقيد ن فصنع هذا التوازن الدقيق يمثل حجر عثرة لا يقبل الزحزحة أمام اليات الداروينية التى تعتمد مبدأ الصراع والتنافس ، وسباق التسلح بين الانواع (1) لكن الحقيقة المشاهدة للعيان قبل الباحثين هي التوازن والتكافل والتوائم بين كل مفردات الحياة بعيدا عن فلسلفة الانانية التي تبنتها الداروينية ،والتي لا تنتج عمليا الا دمار النظام البيئي دون أي مبالغة. هذه الاشكالية يعلمها جيدا أنصار التطور المختصيين فى مجال البيئة ويدركون حتمية التدخل الذكي كمبدأ فى بناء النظام الحيوي ، ومتابعته والسيطرة عليه حتي لا يتهاوي منتحراً، وهذا ما نشرته أوراق محكمة تتكلم عن "تراجيديا" مأساة الانتحار التطوري كمسمي معبر عن فحوي التطبيق العلمي لاليات الداروينية لانتاج التنوع الحيوي والتي ستؤدي حتما الي انتحار المجموع السكاني للنوع.(2)(3). المصادر : 1- http://www.iaees.org/publications/journals/nb/articles/2014-4%282%29/3-Ibrahim-Abstract.asp http://abozaralghifari.blogspot.com/2014/08/peer-reviewed.html 2- http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/23583808 3- http://www.cell.com/trends/ecology-evolution/abstract/S0169-5347(07)00274-1?cc=y
"نظرية التطور وإخضاعها لمبدأ التفنيد Falsifiability"
"في جراجنا تنين "
عنون كارل ساجان Carl Sagan بابا بهذا الاسم فى كتابه "عالم تسكنه الشياطين" The Demon Haunted World (1)
ويستعرض تحته الفرق بين العلم والزيف ، من خلال مثال فيه يدعي شخص وجود تنين فى جراج بيته وأول سؤال يمكن أن يطرح على هذا المدعي هو :أرنا التنين ؟ يقودنا الرجل المتحمس الي جراجه ويشير الى الداخل فلا نري سوي سلم وبعض الاغراض المبعثرة فنسأله : أين التنين ؟ يقول : إنه هنا بالطبع ، لقد فاتني أن اذكر أنه تنين خفي . هنا يقترح أحد الحضور نثرالدقيق كي نمسك بأثار ذلك التنين الخفي . فيرد صاحب الجراج قائلا :هذه فكرة جيده لكن الا تعلمون أن هذا التنين مجنح طائر يسبح فى الهواء.
يقول أخر : إذن سوف نستخدم جهاز تحسس يعمل بالاشعة تحت الحمراء كي نتبين السنة النار الخفية يرد صاحب التنين الخفي قائلا بثقة : لكن هذه النار باردة.
يمكننا أن نرش رذاذ الطلاء فى كل ارجاء الجراج كي نجعل التنين مرئيا، هذا اقتراح آخر يمكنه أن يحل المسألة يقول صاحب التنين الخفي بغضب: مع الاسف ... ، هذا التنين غير مادي ولا يلتصق به الطلاء ولا يترك أي أثر.
هكذا يمكن لهذا الرجل الواثق أن يرد علي كل اختبار يتم إقتراحة بمبرر خاص يجعل من هذا الاختبار غير صالح.
وبهذه الطريقة التي تتم بها الإجابة على كل سؤال بالتحايل علي أدلة التفنيد يمكننا القول بأن فرضية وجود التنين unfalsifiable ، أي فرضية غير قابلة لإثبات الزيف ولا يمكن أختبار مدى صحتها.
إختبار النظريات وقابليتها للتفنيد : النظرية العلمية هي مجال من العلم يصف ظاهرة معينة بغرض تفسير كيفية حدوثها وتقديم مجموعة من التكهنات أو التنبؤات التي يمكن عن طريق تفنيدها وإختبارها تقييم مدي صلاحية هذه النظرية ، ومن ذلك فإن قبول النظرية العلمية يتوقف على مدي قابليتها للإختبار testability وقابليتها لإثبات الزيف falsifiability .
ويطلق عليها وصف "نظرية غير قابلة للتفنيد unfalsifiable " عند غياب التجارب والاختبارات التي من شأنها إثبات صحة هذه النظرية من عدمه ، لذلك فإن معيار القابلية لإثبات الزيف وفقا لبوبر وأقرانه هو إظهار الفرق بين ما هو علمي وما هو زائف وترسيم للحدود بينهما، وإختبار النظريات هو مهمة العلماء المختصين بالتعاون مع فلاسفة العلم . موقف العلم من الداروينية :
تشير المراجع الفلسفية المختصة بدراسة العلم أن معظم الاحكام القياسية أساسها فيزيقي ، حيث يمكن معرفة أسباب الظواهر بوضوح لا يشوبه أدني غموض بإستقراء قوانين معينة كالديناميكا الحرارية والجاذبية وامثالها.
لكن فى علم الحياة (البيولوجيا) تأبى الأمور أن تسير بمثل هذه البساطة الا عند المستوى الخلوي الجزيئى ، وجدوي التكهن لا تكون ملحوظة الا فى مجال البيولوجيا الوظيفية ومستويات أولية تعتمد قوانين التفاعلات البيوكيميايئة .
وبينما يستطيع العلماء إختبار النظريات على أكمل وجه بوساطة التجارب في العلوم العملية ، نجد أن الامرمختلف فى العلوم التي يستحيل فيها إجراء التجارب ويكون التكهن محدود القيمة فى إختبار فرض معين -كما هو الحال فى العلوم التاريخية .
وهذا هو حال علماء البيولوجيا منذ أمد بعيد في محاولتهم للإجابة عن ذلك السؤال حول حدث تاريخي فريد هو :كيف نشأت ملايين الأنواع الحية ؟ .
لتقصي هذا الحدث لن يكون بمقدورهم الاعتماد على القوانين الكونية ، ولكن يتوجب عليهم دراسة مجموعة من المشاهدات الاضافية التي قد تساعدهم فى هذا الشأن ومن ثم يوضع سيناريو تفسيري يمكن تسميته "حكاية تاريخية".
لكنه من غير الممكن التيقن من وقوع تلك الحكايات التاريخية لأنها غيرمشهودة،وأفضل ما توصف به فرص التكهن التى قد تتيحها هي أنها إحتمالية probabilistic وذلك لاستحالة رصد وإختبار ما تتألف منه من أحداث . واذا لم تكن متيقنا من المفاوضات التي أدت الى إبرام المعاهدة البريطانية المصرية بعام 1936 ، فإن إعادة الحدث التاريخي هو إختبار غير متاح ولايمكننا في مثل هذه الحالة إجراء التجارب ، وإستدعاء المشاركين والشهود لتقدم الاسئلة نوع من الترف لأنهم بعداد الأموات، ولذلك لا يسعنا هنا سوي تقديم التكهنات، ومن ذلك فباب التفنيد مفتوح أمام هذه الحكايات عن طريق الاختبارات المتكررة .
يدرك الباحثون أن الداروينية الحديثة تصنف جملة كنوع من "الحكايات التاريخية" ،لإستحالة إعادة وقائعها من "البداية" وإخضاع أحداثها للرقابة والملاحظة المباشرة ، فهي تغطي فترة عظيمة وغير مشهودة من التاريخ ، وقعت أغلب فصولها قبل وجود الإنسان، وفي أفضل حالتها لا يمكن للداروينية سوي تقديم مجموعة من التكهنات الاحتمالية (غير اليقينية) حول كيفية نشوء الانواع ،لأنها لن تتمكن يوما من إعادة أحداث تطوير حيوان ثديي من الزواحف لإثبات صحة الرواية التفسيرية المساقة.(2) كيف يختبر العلم نظرية الأصل المشترك : في عام 1837 رسم تشارلز داروين للمرة الأولىفى دفتر ملاحظاته شجرة للحياة من شأنها أن تساعده فى تفسير أصل الأنواع ، وافترض أن كل الانواع الحية على الأرض قد تحدرت من سلف مشترك ، مرجعا ظاهرة التنوع الاحيائي الهائل الذي نراه اليوم الى سلسلة طويلة من الانتواعات (speciation)*تباعدت خلالها الأنساب فيما بينها تدريجيا لتكون تفرعات شجرية من النسل المتمايز سميت بشجرة النشوء والارتقاء Phylogenetic tree .
بحسب النظرة البيولوجية يتكون الكائن الحي من صورتين متلازمتين فى كيان واحد هما الصورة الخبرية الجينية genotype وتمثل في مكونات الحمض النووي الحامل للمعلومات وهى بدورها المسؤولة عن ترميز وإنشاء الصورة الاخري المظهرية phenotype .
ولذلك فإن الافتراض الرئيس للداروينية يزعم أن التشابه بين الكائنات الحية المختلفة هو بالضرورة نتيجة الميراث من سلف مشترك ، ويحتم ذلك وجود شجرة ترسم العلاقات التطورية من خلال الاستدلال بالتشابه فى مصفوفات البيانات المورفولوجية (المظهرية) والجزيئية (محاذاة الأحرف الجينية أو متواليات الأحماض الأمينية ببروتينات محددة ) بين الانواع المختلفة . وبناءا على مدى التقارب بتلك المصفوفات يتم تسكين هذة الانواع على شجرة الانساب المفترضة ليمثل الجد أو السلف المشترك الجذع الذي يتفرع منه أغصان شجرية تمثل النسل حيث تتموضع المجموعات ذات الصلة الوثيقة على على مسافات متقاربة من بعضها البعض ، وتبعد المسافات بين الانواع على شجرة الانساب هذه مع تباعد القرابة بينهاعلى غرار شجرة العائلة.
تنبؤات خائبة : يشرح بوبرمن خلال عرضة لسمات النظرية العلمية : أنه من السهولة بمكان أن نتحصل على براهين وإثباتات لكل النظريات تقريبًا إذا كنا نتطلع لمثل هذه الإثباتات ، لكنها تظل بلا قيمة ما لم تكن متوافقة مع مجموعة من التنبؤات المجازفة التي تنير بصيرتنا في المستقبل لنتائج متوافقة . ولذلك يتوجب على الداروينية أن تضع مجموعة من التنبؤات الخاصة القابلة لإثبات الزيف والإختبار يمكن عن طريق تفنيدها تقديم نوع من الصلاحية لهذا الزعم والبرهنة على صحته. ومن ذلك فإن بناء شجرة إنتساب تصطف خلالها الأنواع الحية في تراتب من المجموعات الهرمية المتداخلة تدريجيا بالإستناد إلى مدى التشابه بينها كان بمثابة الكأس المقدسةالتي طالما حلم انصار التطور بامتلاكها ويمكن إعتبارها التنبؤ الرئيس لنظرية الأصل المشترك وكما تذكر مجلة newscientist ، فإن مفهوم شجرة الحياة كان مركزيا لفكرة داروين ،علي نفس قدر أهمية الانتقاء الطبيعي ، ووفقا لعالم الاحياء فورد دولتيل W. Ford Doolittle ‘ فإنه بدون شجرة الحياة يمكن أن نعتبر نظرية التطور لا وجود لها .
"The tree-of-life concept was absolutely central to Darwin's thinking, equal in importance to natural selection, according to biologist W. Ford Doolittle of Dalhousie University in Halifax, Nova Scotia, Canada. Without it the theory (3) of evolution would never have happened."
ويخبر Peter Atkins بجامعة اكسفورد في كتابه "إصبع غاليليو ..Galileo's Finger "
بأن : "التنبؤ الفعال يحتم إتساق تفاصيل التطور الجزيئي مع التطورالمظهري" "The effective prediction is that thedetails of molecular evolution must be consistent with those ofmacroscopic evolution.
(4) لكن هذا التنبؤ كان مجرد ترف لم يتحقق قط ، فالكأس المقدسة على حد تعبير Eric Baptesteباتت مجرد سراب بعدما كان يعتقد أنها قريبة من متناول اليد وفي تعليقه على نتاج عقود من البحث عن شجرة الأنساب قال أنه :"لزمن طويل كان بناء شجرة للحياة بمثابة الكأس المقدسة . ولكننا لا نمتلك أية أدلة على أن شجرة الحياة حقيقية." "For a long time the holy grail was to build a tree of life. We have no evidence at all that the tree of life is a reality." وأضأف Bapteste:" في الحاضر، يرقد مشروع (شجرة الحياة) فى حالة يرثي لها ممزقا الي اشلاء بفعل هجمة من الادلة السلبية ، وكثير من العلماء اليوم يجادلون بان مفهوم شجرة الحياة عفا عليه الزمن ونحتاج الي التخلص منه "
today the project lies in tatters, torn to pieces by an onslaught of negative evidence. Many biologists now argue that the tree concept is obsolete and needs to be discarded. (5
بدأت المشاكل في التراكم في وقت مبكر بداية من تسعينيات القرن العشرين مع تقدم وسائل المقاربة وتوسع رقعة البيانات المرصودة ولاحت بالأفق بوادر خيبة أمل حول تحقيق هذا التنبؤ المحوري للداروينية. ففي تقرير نشربعام 1993 بمعرفة الاقران المختصين خلص الي البيان التالي :
"عقد علم التشكل (الموفولوجيا ) آمالا عريضة على البيولوجيا الجزيئية، ولكن نهاية تطلعاتنا كانت محبطة . فالتوافق بين اشجار التطور الجزيئية بعيد المنال كما هو الحال في الموفولوجيا ، وكما هو الحال بين الاشجار الجزيئية والمورفولوجية"
"As morphologists with high hopes of molecular systematics, we end this survey with our hopes dampened. Congruence between molecular phylogenies is as elusive as it is in morphology and as it is between molecules and morphology. (6"
وتوالت بعد ذلك الخيبات عبرعشرات التقاريرالعلمية رفيعة المستوى التي تخبرعن تناقضات فادحة خلال المقاربات الفيلوجينية لبناء العلاقات التطورية بين الانواع المختلفة ، ولم يثبت مرور الوقت الا تفاقم الأشكالية أكثر من السابق حتي خلص تقرير لجامعة كامبردج بعام 2012 لنتائج أكثرإحباطا ولخص بعضا من تلك المشاكل :
"لقد أصبح التعارض بشجرة النشوء والتطور مشكلة أكثر حدة مع ظهور المزيد من البيانات على نطاق الجينوم" "Phylogenetic conflict has become a more acute problem with the advent of genomescale data sets." "سار التناقض بين اشجار التطور المستمدة من البيانات المورفولوجية مقابل التحليلات الجزيئية بمختلف المجموعات الفرعية يزداد انتشارا كلما توسع حجم البيانات في كافة الأنواع ". "Incongruence between phylogenies derived from morphological versus molecular analyses, and between trees based on different subsets of molecular sequences has become pervasive as datasets have expanded rapidly in both characters and species." "التضارب والتعارض فى شجرة النشوء والتطور هو الحدث الشائع ، القاعدة وليس الاستثناء. " "Phylogenetic conflict is common, and frequently the norm rather than the exception." (7)
وبعدما بات التعارض داخل مصفوفات الأشجارالفيلوجينية "phylogenies" الجزيئية والمورفولوجية وبينها أمرا مسلما به وعلى نطاق واسع ، كان من المنتظر أن يؤدي هذا الي الاعتراف بفشل تنبؤات الدراوينية حول شجرة الحياة وبالتالي دفع الشكوك حول صلاحية النموذج التطوري برمته لتفسير تاريخ وأصل الانواع ، لكن كما سنرى فإن هذا لم يحدث طالما تم اللجوء لبعض الحيل.
الشكل1: شجرة الحياة كما تتنبأ بها الداروينية
شكل :2
الشكل 2: "غابة متشابكة يصعب اختراقها "، كما رسمها فورد دوليتل ، عالم الأحياء بجامعة دالهوزي ، كندا. (8)
الفرضيات الاضافية :
وكأننا نتابع مشهدا دراميا من وحى الخيال بطله فيلسوف العلم كارل بوبر يجلس في ركن قريب يراقب عن كثب المسار التاريخي للنظرية الداروينية الحديثة ويدون ملاحظاته ليتخدها مثالا عمليا يحتذى به لتعريف العلم الزائف حين يقر في معايير ضبط النظرية العلمية هذا الوصف :
( بعض النظريات القابلة للاختبار ، يصر أنصارها والمعجبون بها على التمسك بها حتي حينما يثبت الإختبار أنها كاذبة ، وذلك عن طريق وضع إفتراضات إضافيه مساعدة وإعادة تفسير النظرية بما يوافق النتائج الجديدة للهروب من خضوعها التفنيد. ومثل هذا الإجراء ممكن دائما، ولكن كل ما يمكنه تقديمه هو إنقاذ النظرية من عملية التفنيد والإختبارعلى حساب تدمير حالتها العلمية. (أي تحويلها لنظرية غير قابلة للإختبار)
Some genuinely testable theories, when found to be false, are still upheld by their admirers—for example by introducing ad hoc some auxiliary assumption, or by reinterpreting the theory ad hoc in such a way that it escapes refutation. Such a procedure is always possible, but it rescues the theory from refutation only at the price of destroying, or at least lowering, its scientific status (9)
بعد اصطدامها بنتائج واضحة تفند تنبؤاتها وتثبت عدم جدواها لتفسير التنوع الحيوي ، أرغمت الداروينية على أن تحذو حذو صاحب التنين المجنح الخفي ، و لجأ أنصارها لوضع بعض المبررات و الفرضيات الإضافية لانقاذها من الهلاك ، وبسبب ذلك أصبحت النظرية غير قابلة للتفنيد وإثبات الزيف ،ولم يكن أمام مسعفي الداروينية خيارا آخر .
فقد كانت المفاضلة بين خيار فشل توقعاتها وخيارتحويلها الي مجموعة من الفرضيات غير القابلة للتفنيد بمثابة المفاضلة بين بقاء جسدها تحت أدوات الانعاش بسبب الموت سريريا ، كحل وحيد أو ترك هذا الجسد ليصنف مباشرة فى عداد الميت بيولوجيا.
علي سبيل المثال لا الحصر، تفترض الداروينية أن السمات المشتركة بين الانواع هو نتاج تحدرها من سلف مشترك يحمل نفس السمات.فيما عرف بالتنادد homologous. وعلية يمكننا أن نتنبأ بتوزيع مصفوفات هذا التشابه بشكل هرمي متداخل سلس خلال شجرة حياة تمثل العائلة والقرابة . لكن على عكس التوقعات المأمولة ترصد المشاهدات الفعلية من خلال الفحص الفيلوجيني إنتشارا واسعا لسمات مشتركة بين أنواع متباينة وبعيدة الصلة على أغصان شجرة الانساب بصورة يستحيل معها إرجاع هذا التشابه الي فرضية التوارث من سلف ، فبينما كان من المتوقع أن نجد الحصان هو الاقرب من الابقار والمجترات الاخري جزيئيا بسبب التشابه التشريحي والوظيفي والسلوكي بينهما ، تخرج دراسات نشرتهاوقائع الاكاديمية الوطنية للعلوم لتؤكد بأن الحصان أقرب وراثيا للخفاش منه للابقار والاغنام ، ليصنع معضله عصية على الحل حول تناقض سمات التشريح والمورفولوجية مع السمات الجزيئية، (10)
وفي موقع أخر تتساءل ناشيونال جيوغرافيك تحت عنوان "How a quarter of the cow genome came from snakes كيف انتقل ربع جينوم الثعابين الي الابقار " حين تلاحظ على نحو غير مسبوق وجود تشابه فب أكثر من ربع جينوم الثعابين التي تنتمي الى الزواحف مع جينوم الابقار التي تنتمي لفئة مختلفة تماما هي الثدييات لتتناقض بشدة مع أشجار القرابة المزعومة وتنبؤات السلف المشترك ، وكالعادة لم تعدم الداروينية من اختلاق المبررات والفرضيات الاضافية حتى لو بدت غير منطقية لتضع مسؤولية هذا التناقض على كاهل بقة (حشرة) صغيرة مسكينة زاعمين انها نقلت هذه الجينات تكرارية النسخ المسماة بالترانسبوزونات transposons نقلا افقيا Horizontal gene transfer والذي يعني نقل المورثات افقيا بين الانواع بطرق شبيهة بالعدوي وليس رأسيا بطريق التوارث من السلف المشترك ، ومثل هذا الحدث شائع فى بدائيات النواة لكن لا يوجد أي سند علمي لإمكانية حدوثه في الكائنات الراقية أو مسؤوليته عن مثل هذه التطورات كما بالسناريو السابق والتي قامت فيه البقة بنقل الجين القافز من الزواحف الي سلف قريب للابقارعن طريق العدوى بسبب إمتصاصها للدماء من كلاهما . (11) وعلى صعيد آخرينتشر كم هائل من التناقضات بشجرة الانساب مع توسع رقعة الرصد داخل جينومات الانواع الحية كما تقر مجلة الطبيعة nature. وتضرب لنا مثالا محيرا حول تطابق أكثرمن مائتي منطقه فى كلا من جينوم الخفاش والدولفين وإستحالة مسؤولية السلف مشترك عن ذلك ، لتعزي ذلك التشابه الي فرضية إضافية أخرى سميت بالتطور التقاربي convergent evolution والتى تزعم أن السمات المشتركة بين تلك الانواع لم تكن متوارثه من سلف مشترك، بل أتت نتاج لتطور كلا النوعين بطريقة متقاربة وبشكل مستقل . (12)
شجرة الحياة... وفرضية التنين :
تحولت الفرضية الاساسية حول شجرة الانساب بفعل هذه المسوغات والتبريرات الاضافية الى فرضية غير قابلة للاختبار والتفنيد unfalsifiable وافشلت الاختبار الوحيد المتاح لتفنيدها وهو الاعتماد على التشابه بين الانواع . وبعبارة أخري يمكننا القول أن التطور يعتمد التشابه بين مورثات الانواع المختلفة كدليل على تحدر هذه الانواع من سلف مشترك إن كان متوافقا داخل شجرة الحياة التي تم اختلاقها ، وفي نفس الوقت فإن التشابه في المورثات بين الانواع التي لا تتوافق داخل تلك الشجرة يمكن تخطية بالقول إنه نتاج تطور تقاربي convergent evolution. أو نقل جينات أفقى Horizontal gene transfer ومن ذلك يمكن القول بإطمئنان أن شجرة الانساب ليست علما بل إحتيال مجرد . النظرية -----> التنبؤ -----> فشل التنبؤ-----> فرضية إضافية -----> نظرية غير قابلة للإختبار unfalsifiable
خلاصة القول : يمكننا وصف نظرية التطور بالهدف المتحرك.فمع كل اكتشاف يناقضها ، يتم نقلها بعيدا عن مرماه بحيث يمكن دفن الاكتشاف أو التحايل عليه . لم يثبت العلم يوما أن نظرية التطور صحيحة ؛وكل ما فعله هو إعادة تعريف نظرية التطور لتوائم الاكتشافات العلمية الحديثة ، فالعلم يعدل باستمرار نظرية التطور لتتناسب مع البيانات الجديدة.ومن ثم يدعي أن تلك البيانات تناسب نظرية التطور.
لكن هذا ليس علما ، بل خدعة بهلوانية متخمة بالعبثية . أو كما نطلق عليها بتسمية قد لا تروق للبعض (تنين العلم المجنح )
evolution is not a fact, it's a philosophy. The materialism comes first (a priori), and the evidence is interpreted in light of that unchangeable philosophical commitment
"التطور ليس حقيقة ،انه فلسفة
يأتي المذهب المادي فى المقام الاول كمقدمة بديهة ، ومن ثم يتم تفسير الادلة فى ضوء هذا الالتزام الفلسفي الغير قابل للتغيير"
دكتورRichard Lewontin عالم الوراثة بجامعة هارفاد (13)
(Liliana M. Dávalos, Andrea L. Cirranello, Jonathan H. Geisler, and Nancy B. Simmons, "Understanding Phylogenetic Incongruence: Lessons from Phyllostomid Bats," Biological Reviews of the Cambridge Philosophical Society, Vol. 87: 991-1024 (2012).)
Popper, Karl (1963), Conjectures and Refutations, Routledge and Kegan Paul, London, UK. Reprinted in Theodore Schick (ed., 2000), Readings in the Philosophy of Science, Mayfield Publishing Company, Mountain View, Calif.
محارالمياه العذبة من نوع lampsilis ventricosa يدفن نفسه جزئيا فى قاع النهر تماما مثل باقي المحارات ، لكنه بعد ذلك يفعل شئ يمكننا ان نصفه بمعجزة ، فهذا المحار الرخوي البدائي يقوم بحيله عبقرية مذهلة لاتمام دورة حياته ، ويضع الداروينية أمام مأزق بالغ الحرج .
فتابعوا:
التكتيكات المخادعة في بلح البحر الطفيلي
"تعقيد لا يقبل الإختزال "
فى مياة القيعان النهرية ، نرقب هناك سمكه صغيره بديعة الألوان تسبح مكانها بإنسيابية ، وتحدق بنا بعيونها الثابتة العميقة . يمكنكم إعتبار هذا المشهد شيئا عاديا غير مثيرا للإنتباه ،
لكن صدقوا أو لا تصدقوا فما ترونه أمامكم ليس سمكة على الاطلاق، رغم زعانفها الجانبية المكتملة وزيلها وحركتها الايقاعية المنتظمة ، إنها - ببساطة - جزء من جسد نوع من المحار مموه على هذه الهيئة المذهلة .
نعم هذا حقيقي تماما ، لكن ما فائدة هذا التمويه المحكم ولما تصنع المحارة من نفسها شركا كهذا قد يعرضها لخطر الالتهام ؟.
من المعروف أن أغلب أنواع المحار تضع إناثها بيوضها فى المياة مباشرة وتقوم الذكور بإخصابها ، لكن فى أنواع معينه تحتفظ الاناث ببيوضها بداخل أجسامها ومن ثم يتم إخصابها بالحيوانات المنوية التي أفرزتها الذكور فى المياه القريبة ،وتحتفظ هذه الإناث الحبلي بصغارها داخل جراب منتفخا خارج جسدها الرخو يشبه تماما السمكة لها زيل وتمويه للعين، وزعانف يتم تحريكها بانسيابية بواسطة عقدة عصبية بحركة ايقاعية تبدو تماما كالسباحة .
هنا ينبغي علينا أن نتساءل !
لما تعرض المحارة مستقبل صغارها للخطر ، فهذا السلوك يجعل منها وصغارها عرضة للأكل .!
الحقيقة أن تلك الأنثى بالفعل تريد لصغارها أن يتم تناولهم بواسطة الاسماك ، لكن ليس لأنها تريد التخلص منهم ، بل ليعيشوا ويكملوا دورة حياتهم .
فدورة الحياة غير العادية لهذا المحار لا يمكنها أن تكتمل الا بأن تدخل يرقات صغارها "glochidia" الي خياشيم الأسماك لتتطفل عليها بالتغذي على دمائها .
ومن ذلك يمكننا أن ندرك أن السمكة الزائفة هي طعم وشرك لجذب الاسماك الاكبر لاكله ، فحين تنجذب هذه الاسماك للشرك وتنقض على السمكة الزائفة لتلتهمها ، تتحول من صياد الي فريسة، وفي لمح البصر تنفث المحارة الحبلى يرقاتها glochidia في فم السمكة لتنتقل اليرقات مباشرة الي الخيشوم وبذلك تكون المهمة قد أنجزت .
https://www.youtube.com/watch?v=I0YTBj0WHkU
بالاضافة الي وجود طرق عديدة لنصب الفخاخ منها استخدام بعض اجناس المحارات الإضاءة أو الالوان المبهرجة نجد أن المحار من نوع lampsilis ventricosa يذهب إلى أبعد من ذلك في فن الخداع فالسمكة الزائفة التي يصنعها منفصلة جزئيا عن جسد الأم ، وتظل مرتبطة بالام بواسطة خيط هلامي طويل شفاف لا يرى . ومن ثم يحرك تيار الماء هذه السمكة لتبدو وكأنها حية تسبح . هل تصدقوا ما ترون !!!!
https://www.youtube.com/watch?v=-8cCN3WV_qg
https://www.youtube.com/watch?v=VDEOOWi5wcc
التفنن فى ابتكار أشكال مذهلة من الأشراك يعتبر سمة مميزة لأجناس هذه المحارات الخادعة ،والأكثر إذهالا في تلك العملية أنها إنتقائية حيث تصنع المحارة طعم الصيد الذي يفضله نوع السمكة التي تتطفل عليها ، مثل المحارVillosa Iris الذي يصنع فخه على شكل جراد البحر لأنه الطعام المفضل للسمكة smallmouth bassالمضيفة لصغارة .
https://www.youtube.com/watch?v=hxoMLCfhzUU
لا تتوقف المحارات عن إذهالنا ، فحدود الخداع تتحول الى إستراتجيات أخري ، حيث يمكننا أن نرصد محارا أخر يستخدم فخا مذهلا بحق ، فتصنع الام الحبلى بروتينات داخل جسدها على شكل ديدان حمراء اللون يمكنها أن تمثل وجبة مفضلة للأسماك ، أو أشكال صغيرة تشبه الحشرات المائية أو حشرات الصيد التي يستخدمها هواة الصيد كطعوم ، بل يمكننا أن نرى نوعا من تلك الأشكال المصنوعة يشبه الى حد مذهل شرانق الحشرات (أحد اطوار الحشرات التي تفضلها الأسماك) ومن ثم تقوم الأم بطرد هذه الأجسام البروتينية المموهة خارج جسدها إلى المياة عن طريق أنبوب الزفير الى المياة المحيطة ، حاملة بداخلها مئات اليرقات التي تنتظر في صمت وتتركها لتكمل الأسماك الجائعة باقي المهمة .
https://www.youtube.com/watch?v=H1DMr1YQSGk
المعضلة :
تخبرنا الداروينية أن مثل هذة التصاميم المذهلة في الكائنات الحية ـ ببساطة ـ تنشأ تلقائيا كنواتج جانبية لأخطاء في النسخ تحدث روتينيا عندما تنتقل المعلومات الجينية من جيل إلى الذي يليه. ودور الانتقاء الطبيعي ليس كقوة مولِّدة تستدعي إيجاد بنى جديدة، ولكن يمكنه فقط أن يتعامل مع تغييرات تقدّم له،ويعمل فقط على تعزيز أو حذف المستجدات التي تُحْدثها التغيرات الجينية العشوائية التي تقف وراء جميع الابتكارات البيولوجية ، فإما أن يزيل متغيّرات غير مرغوب فيها، أو يشجع متغيرات ناجحة، ويمكننا أن نعرف التطور بأنه عملية انتهازية، فهو ببساطة يستغل أو يرفض الإمكانيات عندما تظهر بالصدفة .
ومن ذلك فإن هذه التكيفات المعقدة لا يمكن أن تنشأ في خطوة واحدة بل عبر آلاف أو مئات الالاف أو ملايين من التجارب والطفرات المتراكمة التدريجية خلال أزمان طويلة جدا ، وملايين من الأجيال المتعاقبة (تتزايد بقدر تعقيد التكيف ) ، ودور الانتقاء الطبيعي هنا هو صياغة التكيف تدريجيا من خلال سلسلة من المراحل الوسطي ،
والمعضلة الرئيسية هنا تكمن فى تحديد قيمة تكيفيه لجميع المراحل الوسطى أثناء رحلة التطور المزعومة والتي لا يمكن أن تحمل أي معني مفيد للكائن الحي الا بإكتمال الشكل التكيفي تماما، ففي آلية الشرك الخداعي ، هنا كمثال يتوجب أن تمر بمراحل عديدة يمكننا تخيلها بعدة خطوات قد تختلف فى بعض ترتيبها تبدأ بخلق الشكل الشبيه فى أبعاده الاولية بجسد الكائن الذي يتم محاكاته تدريجيا ومن ثم خلق بقعه تشبه العين فى المكان المناسب تماما ، ومن ثم وضع الالوان المناسبة التي تشبه حراشف الاسماك ومن ثم خلق زعانف جانبية فى الاماكن المناسبة تماما ومن ثم صنع الذيل . نحن نعلم أن الشكل الذي من الممكن أن يحاكي بنية السمكة لا يمكن أن يتم التعرف عليه وتمييزه الا بتواجد كل هذه الاجزاء الرئيسية مجتمعة ، تماما كما يقوم الرسام برسمها على الورق حيث لا تتبدي ملامحها كسمكة الا فى المراحل النهائية .
يمكننا تقريب الفكرة أكثر بإستخدام التشبيه السابق وتصوير الطفرات العشوائية بخطوط الرسم العشوائي ، والانتقاء الطبيعي بالممحاة التي يجب عليها أن تمحو الأخطاء التي لا تصب في صياغة شكل السمكة .
لكن العملية السابقة لا تشبه بالمرة الرسام المدرك لخطواته الذي يتحرك وفق خطة مسبقة وهدف غائي لصياغة شكل السمكة ، وتتجه خطوطه مباشرة نحو رسم هذا الشكل ، فخطوط الرسم ( الطفرات عشوائية -أخطاء النسخ ) غير موجهة نحو صياغة ورسم أي شكل معين وهي مجرد شخبطات ، وما يزيد الطين بلة أن الممحاة (الانتقاء الطبيعي ) التي يجب أن تهذب الاخطاء وتمحوها وتثبت الخطوط المفيدة لصياغة شكل السمكة أيضا غير موجهة نحو أي هدف مسبق ولا تستطيع التفرقة بين ما هو مفيد للتكيف مما هو غير ذلك ، لأننا كما قلنا بأن ذلك العضو لا يمكنه أن يحمل أي معنى لحامله الا بإكتمال تصميمه . فالانتقاء الطبيعي لا يدرى شيئا عن وظيفة المستقبل لتلك البنى الجديدة، أو يمتلك مخطط مسبق يسير عليه ، وبذلك لا يمكنه التفرقة بين الخطوط التي تخدم في صياغة شكل السمكة من تلك الخطوط التي تعتبر أخطاء يجب محوها .
ومن هنا نتساءل ؟
كيف يمكن للطفرات العمياء المتراكمةالتدريجية والبطيئة عبر الآف من الاجيال المتعاقبة أن تتوجه لإنتاج هذا التكيف وهى لا تدرى اصلا ما فائدة ذلك ، فالاشكال الوسيطة لا تمنح الكائن الحي أي قيمة تكيفيه الا بوصفها مرحلة في الكيان المكتمل ولا تعني للإنتقاء سوى عبئا وتشوها تطوريا يجب التخلص منه .
ومن ذلك يتوجب علي الداروينية أن تتخطى هذه الإشكالية المحورية ، بتوفير وظيفة لكافة الاشكال الانتقالية الوسيطة أثناء رحلة صياغة البنية الجديدة فى الكائن الحي حتي تحمل ميزة انتقائية يتم تثبيتها وهذا ما لا يمكن توفره مع تلك البني المعقدة .
الاشكالية الاكبر لا تقف عند هذا الحد رغم أنه كفيل بدحض الدارونية وأسسها ولا يوجد له حتي الان تفسيرا يمكن أن يقبله العقل العلمي، ولكنها تتعلق بكيفية خلق سلوك الكائن الحي نفسه المرتبط بمثل هذه التكيفيات ومعرفة قيمتها ، فلو تخطينا المعضلة السابقة وافترضنا جدلا قدرة العشوائية على خلق مثل هذه الأشكال التكيفيه وهو محال وجنون ، فكيف تمكن المحار ذلك الحيوان البدائي من أن يدرك قيمة هذا التكيف الجديد ويستخدمه لصنع تلك الحيل وما هي الالية التطورية لصنع مثل هذه السلوكيات وإن وجدت كيف يتزامن هذا التطور السلوكي الذكي مع التطور الشكلي بصنع الفخاخ .
بمعني أدق هل يوجد قانون طبيعي أو صدفي فى محيط الادراك الكوني يمكنه أن يفسر هذا .
يعتقد الانسان الذي يمتلك أدنى درجات التفكير المنطقي أنه من السفاهة تخيل حدوث مثل هذه الاحداث بغير تصميم حكيم .
********
دجل كهنة الداروينية ، وفرضية التكيف المسبق:
بعدما تفضل بالاعتراف بهذه الاشكالية ولم يتجاهلها كعادة أرباب الداروينية في إستغلال رحابة مجال الفحص الحيوي وإتساع وتشعب دروبه لتخطي العقبات التي تواجه عقيدتهم ، وقف ستيفن جولدStephen Jay Gould أحد كهنة الداروينية العتاة مذهولا لبعض الوقت أمام مشهد تلك الاسماك المحارية الزائفة ، ثم لم يلبث أن هرش رأسه مليا ليضع الحل السحري لتلك المعضلة مع سيناريو الدراونية العقيم الذي اطلق عليه التكيف المسبق exaptation.
وبالرغم من أنه قد إستخدم الانتقائية فى تبريره باستخدام نموذج واحد من نماذج التمويه والذي يتعلق بتمويه السمكة الملتصقة بجسد المحارة ، فإن تبريره حول ظهور هذه السمكة تدريجيا بدا فى غاية الضحاله والاستخفاف بالعقول .
فنموذج الداروينية المتعلق بالتكيف المسبق يقول أن التركيبات والتكيفات المعقدة كانت تمتلك وظائف أخري سابقة أثناء رحلة تكونها التدريجي والتي يمكن أن تتحول إلى وظيفة أخري، وبذلك يمكن تخطي معضلة فجوة الاشكال الوسيطة التي ينبغي أن تحمل وظيفة ما حتي يحافظ عليها الانتقاء الطبيعي ولابد أن هذه الوظائف مختلفة تماما عن وظيفة التكيف الكامل لأنه لم يكن قد وجد بعد ، ومن ذلك عليه أن يجد وظائف أخرى غير الشرك البصري مما يجب ان يؤديه شكل السمكة اثناء تدرجه فى التطور
وبعد البحث المضني في ارشيف الخيال الواسع الذي تذخر به حكايات الداروينية أتت هذه الوظيفة الممكنة التي لم تتخطى حاجز التخمين فى أن الحركة الايقاعية للسمكة الزائفة من الممكن أنها تطورت (وركزوا جيدا ولا تضحكوا من سفاهة التبرير ) من زوائد كالرفارف ربما كانت وظيفتها تزويد اليرقات بالهواء أولإبقاء اليرقات معلقه بالماء بعد أن تطلقها الأم خارج جسدها، واذا كانت الرفرفة الايقاعية قد وفرت هذه الميزات مسبقا فالتشابه العرضي مع شكل السمكة يمكن اعتباره تكيفا مسبقا ويمكن تحسينه فى الوقت الذي كانت فيه الرفارف تؤدي وظائف اخرى .
هنا يحق لنا أن نسأل جولد :
لماذا إنتقيت هذا النموذج وحده ولم تذكر أو تشير للنماذج المذهلة الاخرى ؟
الاجابة ببساطة واضحة فإنتقاءه غير بريئ بالمرة وهو نوع من التدليس العلمي لأن كل النماذج السابقة كصنع الديدان وحشرات الصيد أو السمكات المعلقة بالسنارة وحتي تمويه القريدس لا يمكن أن يتفق بأي حال مع هراء التكيف المسبق ولن يحله بالمطلق فهذه المحاكاة بالغة التعقيد وجدت فقط لهذا الهدف التي وجدت لاجله (الشرك البصري ) .
لكن هل نجح جولد في حل إشكالية شرك السمكة الزائفة ؟
الحقيقة أن الهراء من السفاهة من أن يرد عليه لكننا ابتلينا دائما بتوضيح الواضحات .
اولا : إن كانت الرفارف لتزويد اليرقات بالهواء فكيف تتنفس اليرقات فى الانواع الاخري التي لا تملك رفارف ومنها أغلب النماذج الأخرى المذكورة أعلاه؟.
و إذا كانت الرفارف وجدت كتكيف مسبق لنثراليرقات في الماء، فلماذا تحركها المحارات دائما وكان يتوجب عليها تحريكها فقط عند طرد اليرقات، وهل من الممكن أن يقنع هذا التبرير صبى صغير ، فالرفارف لا يمكنها توفير الهواء لليرقات ويكفي -ببساطة- أن تفتح المحارة الأم مصراعيها ليسحب تيار الماء صغارها ونثرها إلي أبعد مكان دون أن تحتاج لعبئ صنع الرفارف.
ثانيا: وهو الأهم أن هذا التبرير لم يتخطي بالمرة مشكلة التكيف التدريجي مع حمل وظيفة وسيطة لكل مرحلة من مراحل التطور وإنما إبتكر وظيفة هزلية للرفارف رغم أن وجود تلك الرفارف بالشكل المفترض لا يمكنه أن يمثل أي قيمة تكيفية فى مسار تغير الشكل الى ما هي عليه، ولم يقترب من جسم المعضلة المتمثل في مسار تكيف الرفرف لشكل السمكة ، فما هو وجه الشبه بين شكل زائدة لحميه وشكل السمكة الذي رأيناه؟ ، و ما هو دور التكيف المسبق فى تغيير شكل الرفرف تدريجيا الى سمكة بكل تفاصيلها الشكلية ،وكيف يصوغ التكيف المسبق تفسيرا وظيفة ثانوية للتشكل تدريجي للعين ثم الزعانف ثم الذيل ؟.
ثالثا: ومن ثم كيف يفسر التكيف معرفة المحار بقيمة هذا الشكل ليستخدمه فى الحيلة الوظيفية الجديدة .
ببساطة اذا كان كل المحار يتكاثر بطريقة بسيطة بوضع البيض فى الماء فما الدافع التطوري والقيمة الانتقائية في لجوء هذه المحارات إلى هذه التحولات الملتوية والعجيبة عبر ملايين السنين ؟. وفقا للداروينية فإن التغير التدريجي فى الشكل يجب أن يشير الى تكوين تدريجي للوظيفة،واذا لم يتعين حدوث ذلك فإن المراحل المبكرة والناقصة لوظيفة ما لم تكن موجودة قط وان تلك الاشكال خلقت مرة واحدة .
ما يقوله الدراونه لا يعدو كونه مزيجا من الدجل والهراء والعبث ،
ونحن نقول فى المقابل إن التفسير الوحيد المنطقي لمثل هذا الحدث هو التصميم الحكيم . فالحياة منظومة تكيفية كاملة يستحيل اختزالها بمفهوم تطوري عقيم سطحي متهاوي وتظل مثلها آلاف الأمثلة شاهدة لله الخالق القدير
لإلقاء نظرة أكثر عمقا حول علامات التصميم في التعقيد الحيوي غير المختزل ، وتفنيد فرضية التكيف المسبق